مجدى أحمد حسين |
عندما وقعت الواقعة بهزيمة يونيو 1967 كنت فى السادسة عشر من عمرى ، كنت صبيا ألهو كما تلهو الصبية وأهتم بدراستى ولا أتصور أن أتابع تاريخ والدى أحمد حسين فى الجهاد فى سبيل الله والوطن . ولكن الهزيمة الساحقة فى ست ساعات أمام العدو الصهيونى كانت صدمة مروعة لى .. وعندما كنت من أفراد الدفاع المدنى فى حى الروضة أتلوى ألما مع أخوتى فى التنظيم الذى كانت مهمته هى النداء للجماهير ( أطفئوا النور ) لتوقى الغارات الجوية للعدو ، فى هذه اللحظات التى وردت لنا فيها أنباء وصول الصهاينة الى خط القناة ، جلست على أحد الأرصفة فى جنح الظلام ، والسماء ترعد وتبرق ، وعاهدت الله أن أنذر حياتى من أجل مصر ، حتى تتحرر من جديد وتعود دولة شامخة بين العالمين.
ومنذ هذه الليلة ( 8 يونيو 1967 ) بدأت مسيرتى التى لم تتوقف لحظة واحدة ، ولم أذق طعم الراحة ، ولم أعرف طعم النصر الا يوم 29 يناير2011، عندما خرجت من سجنى بسبب زيارتى لغزة ، وعندما توجهت لميدان التحرير بملابس السجن الزرقاء ، أيقنت أن الثورة قد انتصرت ، لقد أراد الله أن أشهد أسوأ هزيمة فى التاريخ ، وأروع نصر فى التاريخ. ستقولون وماذا عن نصر أكتوبر 1973 ؟ لقد شاركت فى هذه الحرب المجيدة ولكن مع الأسف لم أنل شرف العبور لأنى كنت فى الفرقة الثالثة المتمركزة فى الهاكستب ، ومع ذلك فقد تقدمنا وشاركنا فى حصار الثغرة فى منطقة وادى أبو جاموس بالقرب من طريق القاهرة السويس عند الجفرة . وأقول لقد أضاعت القيادة السياسية نشوة النصر ونتائجه الاستراتيجية الباهرة ، بالاكتفاء بالعبور دون الوصول الى المضائق ، ثم بمفاوضات منبطحة ومتعجلة لصداقة أمريكا بأى ثمن ، وبالانفصال الكلى عن باقى الفرقاء العرب . المهم لقد كانت المفارقة أن مصر دخلت بعد واحد من أكبر الانتصارات الكبرى فى التاريخ العسكرى الى نفق مظلم والى واحدة من أسوأ مراحل تاريخ البلاد .وهذا أكبر دليل على سوء ادارة الصراع وعدم الاستثمار السليم للنصر.
الآن لم يبق من عمرى الكثير وفقا لمتوسط الأعمار فى مصر( والأعمار بيد الله جل شأنه) وأرغب أن أساهم قبل رحيلى فى الحفاظ على نصر 25 يناير ، حتى لايضيع كما ضاع نصر أكتوبر. وهذا يمكن أن أقوم به من أى موقع ، ولكن اخوانى ورفاق درب الجهاد هم الذين رشحونى لهذه المهمة الثقيلة ، ولهذا الابتلاء الأعظم، فاذا أنتم كلفتمونى فأدعو الله أن يوفقنى ويجنبنى الزلل.
ولن يمكننى أن أوفى حق ثورة 25 يناير فى هذا المقام الذى يستوجب الاختصار. ولكن يمكن القول أن هذه الثورة مثلت انعتاقا جديدا للشعب المصرى من عالم العبودية الى عالم الحرية والكرامة ، ولاكرامة بدون حرية ، والكرامة أهم مايميز الانسان وأهم مايعتز به ، فقد وصفه الله عز وجل بأنه خليفته على الأرض بعد أن نفخ فيه من روحه ، وهو تكريم مابعده تكريم ، وقال جل شأنه ( ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الاسراء 70
لذلك فان الاستبداد ( الاستكبار) هو الجرثومة الأخطر فى تاريخ البشرية ، فالاستبداد يذل الانسان بينما يقول الله جل شأنه ( و لله العزة ولرسوله وللمؤمنين) المنافقون 8
والاستبداد يؤدى الى الظلم الاجتماعى واستئثار المترفين بالثروة . والاستبداد يؤدى الى تخلف المجتمعات علميا وثقافيا واقتصاديا لأن الحاكم المستبد مشغول باستمراره الأبدى فى الحكم وهذه هى قضيته الأولى والأخيرة . والاستبداد يورث الكفر ، لأن المستبد يعلن نفسه مرجعية عليا ووحيدة للمجتمع ( أنا ربكم الأعلى ) ويدفع المجتمع بأسره الى الهلاك فى الدنيا والآخرة . ولذلك طالما كتبت أن الكفر بالطاغوت ( مبارك) ضرورة ايمانية!
هذه هى مأثرة الثورة العظمى ، أن تحرر الشعب من الطغيان ، وكل المنجزات الأخرى هى مجرد فروع منبثقة عنها. لذلك فان تحصين البلاد ضد عودة الطغيان يجب أن تكون مهمتنا الأولى. فاذا كانت أهداف الثورة الأربعة الكبرى : الحرية – العدالة الاجتماعية – الاستقلال – التنمية ، فلاشك أن الحرية ( النظام الديموقراطى المنضبط بثوابت الاسلام ) هى ضمانة العدل الاجتماعى والاستقلال والتنمية . بل هى من قبل ومن بعد ضمانة لصحيح الايمان بالله ، ضمانة لحرية المعتقد لكل انسان ، لأنها تعنى التخلية بين الانسان واختياره ، حتى يكون اختياره حرا نابعا من ضميره بعيدا عن أى ضغوط خارجية أو اكره. لذلك فقد اخترت شعارى لحملتى لانتخابية من كلمة واحدة ( العزة ) لأن العزة مفتاح حل كل مشكلاتنا ، بل هى مفتاح الحياة الكريمة اللائقة السعيدة ، العزة لكل مصرى ومصرية كما عبر عن ذلك الشعار الشهير للثورة ( ارفع رأسك فوق .. أنت مصرى) . العزة مفتاح الحرية والتنمية والتقدم والعدل الاجتماعى والمساواة الحقيقية والاستقلال الوطنى الحقيقى . كل مواطن له كل الحقوق المتساوية مع الآخرلا فضل لأحد على آخر الا بالعمل الصالح والاجتهاد والسعى ، لابد أن تكون الفرص والامكانات والحقوق متساوية أمام الجميع ، فاذا تقدم مواطن على آخر فيكون بالعمل وبذل الجهد وليس لأى اعتبار آخر .
أن المرجعية الإسلامية هى الإطار الحضارى الذى يتسق مع شخصية وتاريخ أمتنا، الإيمان بالله قلب برنامجى، وإن أهم ما يميز حضارتنا العربية- الشرقية- الإسلامية هو هذا الركن الركين فى مواجهة حضارة الغرب المادية. إن مجتمعا يقوم على الإيمان بالله يختلف فى كثير من أساليبه وطرائقه وبنيانه وغاياته وأهدافه عن المجتمع المادي، رغم التشابهات الظاهرية بين أحوال المجتمعات عموما. نحن مأمورون من الله عز وجل باعمار الأرض وتنميتها، ولكن بوسائل رحيمة عادلة، تأبى الظلم والعدوان والجور على مصالح الناس فى ظل المجتمع الإسلامي، أو حتى على الآخرين من أبناء المجتمعات الأخرى على المستوى العالمي، نبنى مجتمعا يتوخى العدل إرضاء لله سبحانه وتعالى أولا وقبل كل شيء واستعدادا لملاقاته فى الآخرة، وليس استعلاء على أحد أو دخولا فى منافسات أنانية عارضة مع أحد.
المجتمع الإيمانى يحقق السلام والعدل بينه وبين الآخرين- من غير المعتدين- ويحقق الضمانات الاجتماعية والأمنية خشية من الله عز وجل وليس خشية من الناس، ويعتمد فى إداراته على هذا الضمير الإيماني، الذى ييسر الحياة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ولكنه محكوم فى كل ذلك بشريعة محكمة من عند الله سبحانه وتعالى.
الإيمان بالله ليس مجرد نقطة فى برنامجنا وغايتنا من الوجود، ليس بمعنى غياب رؤيتنا الخاصة فى مجال الإصلاح السياسى والاقتصادى والتشريعي.. الخ، ولكن كل هذه المجالات وغيرها مرتبطة بالغاية العظمى "عبادة الله" والتقرب إليه..
[قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاى وَمَمَاتِى لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ].
والعبودية لله يجب أن تتحول وتتمثل في: العمل لصالح المجموع والتقرب إلى الله كل القرب هو فى خدمة الشعب.
ولكن حكامنا السابقين لم يستجيبوا لهذا التوجه الشرعى، فشرع الله لا يطبق، وشاع الكسب الحرام دون رادع، ومع شيوع الفساد زاد نفوذ المفسدين فى الأرض وأصحاب المصالح المشبوهة، وانحدرت قيمة العمل وتخلف أداء الواجب واحترام القانون. وقد أخفقت الحكومات المتعاقبة فى إتباع سياسة عامة متكاملة للإصلاح، بل وقعت فى براثن مجموعات المصالح القوية، كما تزايد النفوذ الأجنبى فى تقرير سياستنا وفى الدوائر الحكومية وبين رجال الأعمال نتيجة الاعتماد المتزايد على القروض والمعونات الأجنبية التى أدت إلى ربط عجلة الاقتصاد الوطنى بالمصادر المقرضة وتدخلت المنظمات الدولية فى توجيه أمورنا فى ظل انهيار الإرادة السياسية المستقلة للحكام.
وقد أدت سياسات الحكم وما صحبها من مظالم إلى تفجيرات متتالية، ولجأت السلطة إلى مواجهة ذلك بالأساليب القمعية، فلم تعالج الأسباب الحقيقية للتذمر واستمر الاستبداد واستمر ارتكاب جرائم التعذيب البدنى والنفسى التى تشكل عدوانا صارخا على مبادئ ديننا كما أنها تشكل وصمة عار فى جبين مصر لمنافتها لكرامة الإنسان المصرى وآدميته.
وإذا كان كل إصلاح الحال يتطلب مناخا ديمقراطيا فإن الحرية لا تمنح ولكن يستحقها من يسعى إليها ويجاهد فى سبيلها. وهذا ما برهنت عليه ثورة الشعب العظيمة فى 25 يناير 2011 .
الإصلاح السياسي:
الإصلاح السياسى هو حجر الزاوية لانتشال مصر من الهوة السحيقة التى هوت إليها، وإذا كنا لا نخفى هويتنا الإسلامية، فإننا نؤكد إيماننا العميق بأن برنامجنا الإسلامى يجب أن يتحقق من خلال القبول العام من الشعب، من خلال انتخابات حرة نزيهة، وإننا نرتضى أبدا نتائج الصناديق الزجاجية التى لا تمتد إليها يد التزوير، وإن فهمنا لصحيح الإسلام لا يتعارض مع مبادئ وآليات الديمقراطية حيث نرى:
1. الحاكم: وكيل الأمة وليس له عليها سيادة بل هى سيدته وهو خادمها الأمين.
2. الشورى: أساس الحكم وكل حكم لا يقوم على شورى لا يكون شرعيا.
3. الرقابة الشعبية: حق للأمة أن تراقب حكامها وتحاسبهم وترسم لهم خطوط تدبير مصالحها وتشرف على التنفيذ وتعدله حسب مصلحتها.
4. الحاكم يتم اختياره بالانتخاب ومن حق كل مواطن أن يكون له رأى فى اختيار حكامه عن طريق الانتخاب الحر.
5. عزل الحاكم: للأمة عزله إذا جار وظلم ولم يرع لناصح أو زاجر.
وبناء عليه فإننا نتفق مع جميع دعاة الإصلاح فى المطالب الآتية:
· مراجعة الدستور عن طريق جمعية تأسيسية لتحقيق الاتساق بين أحكامه وبين تغيير النظام السياسى للبلاد من نظام شمولى قائم على تنظيم سياسى واحد إلى نظام ديمقراطى قائم على تعدد الأحزاب.
· انتخاب رئيس الجمهورية ونائبه انتخابا مباشرا لمدة أربع سنوات وجواز إعادة انتخابهما لمدة واحدة ثانية .
· رفض توريث الحكم للأبناء.
· تتولى السلطة التنفيذية حكومة تحظى بثقة أغلبية مجلس الشعب وتعتبر مسئولة أمامه. وإذا سحب المجلس ثقته من الحكومة تعين استقالة الوزارة، وإذا سحب الثقة من أحد الوزراء يتعين عليه الاستقالة.
· اختيار المحافظين ورؤساء المدن والأحياء والقرى عن طريق الانتخاب الحر المباشر.
· إلغاء حالة الطوارئ والإفراج الفورى عن جميع المعتقلين.
· إلغاء القوانين سيئة السمعة السالبة والمقيدة للحريات العامة والشخصية والمناقضة لحقوق الإنسان.
· تقرير الحق فى تشكيل الأحزاب السياسية دون الحاجة إلى الحصول على إذن بإنشائها اكتفاء بإخطار وزارة الداخلية عن قيامها، بما يسمح لكافة الاتجاهات السياسية بالتعبير عن نفسها ويكتفى بالقضاء العادى ليحاسبها إذا انحرفت عن الطريق المشروع.
· إلغاء كل صور الخلط بين مؤسسات وأجهزة الدولة وبين تنظيمات الحزب الحاكم بما يضمن أن تكون الدولة للجميع ولا يكون هناك تمييز بين المواطنين بسبب الفكر السياسي.
· يكون اختيار شيخ الأزهر بالانتخاب، ويتم انتخابه عن طريق هيئة كبار العلماء، حتى لا يكون خاضعا لضغوط السلطة التنفيذية.
· إقرار قانون استقلال القضاء الذى أعده نادى القضاة باعتباره ركنا أساسيا لضمان الديمقراطية والتوازن بين السلطات، ومنع تغول السلطة التنفيذية.
· جعل السجون تابعة لوزارة العدل لوضع حد لجرائم التعذيب التى تتم داخلها ووضع قيود صارمة على الحبس الاحتياطى .
· إطلاق حرية إصدار الصحف وملكية وسائل الإعلام للمصريين وتحرير أجهزة الإعلام والصحافة القومية من سيطرة السلطة التنفيذية وإتاحة فرصة متكافئة للأحزاب والقوى السياسية فى طرح آرائها عبر أجهزة الإعلام المملوكة للشعب وتعديل قانون الإذاعة والتلفزيون لتحقيق استقلاله عن السلطة التنفيذية وإلغاء قانون الحبس فى قضايا النشر.
. حرية واستقلال العمل النقابى للمهنيين والعمال والفلاحين والطلاب ومختلف طوائف المجتمع .
. حرية تأسيس الجمعيات الأهلية فى مختلف مجالات النشاط الاجتماعى والخيرى والثقافى والعلمى.
. القانون ينظم ويكفل حق التجمع والتظاهر والاعتصام والتظاهربدون تعطيل للانتاج أو للحياة العامة.
. رفض تشكيل جهاز بديل لأمن الدولة تحت مسمى جديد ، والكشف عن باقى الأجهزة الأمنية السرية فى العهد البائد ، واعادة تنظيمها بما يكفل الأمن القومى والجنائى دون أى تعدى على حريات المواطنين . فالمراقبة لاتكون الا للعملاء والجواسيس وباذن قضائى . والأمن لايحصن الا بالعدل. ورفض القول بأن جهاز الأمن الوطنى الجديد سيختص بالارهاب . فما الارهاب الا جريمة جنائية يتابعها الأمن العام والأمن القومى.
. اعادة تشكيل قوات الأمن المركزى مع تخفيض أعدادها وايقاف التجنيد فى صفوفها ، فالتجنيد لا يكون الا فى القوات المسلحة . وتحديد مهامها بحيث تقتصر على المجرمين الجنائيين ومجموعات البلطجة التى يتعين تصفيتها بكل الوسائل السياسية والقانونية بحيث تنتهى هذه الظاهرة الشاذة فى مجتمعنا.
. ضرورة الاسراع فى معدلات محاكمة كل عناصر الشرطة المتهمة بقتل المواطنين خلال أحداث الثورة وأن تكون محاكمة الرئيس المخلوع على أساس قتله للمواطنين. مع وضع الجميع فى الحبس الاحتياطى وعدم الافراج عنهم.
. جريمة التعذيب لاتسقط بالتقادم ويطبق على مرتكبها حد الحرابة .
. تزوير الانتخابات خيانة عظمى ، وتحصن نزاهة الانتخابات بالاشراف القضائى الكامل والتصويت بالرقم القومى ورفض التصويت الالكترونى كوسيلة حديثة للتلاعب والتزوير.
. محاكمة المواطن أمام قاضيه الطبيعى وانهاء محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى.